لم تعد الفتاة تخفي رغبتها في الزواج وتضررها من تأخره وخاصة كلما طالت عليها
سنين الانتظار، وهذا مما عمت به البلوى كما يقول الفقهاء
تذهب الفتاة إلى عملها
لتجد حولها عشرات البنات في مثل حالها أو أسوأ، وتسمع إحداهن تطلق شكوى باسمة مغلفة
بخفة الدم المصرية والقدرة العجيبة علي السخرية من كل شيء، فإذا ردت زميلة مخضرمة
تنوء بعبء أسرتها: لا داعي للاستعجال.. الزواج كله هموم.. تنتهز الفتيات الفرصة
ويتبارين في الرد عليها: أريد أن أتزوج خصيصا لأوجه هذه النصائح للبنات وأحرق
دمهم.. وواحدة تقول: دعيني أتزوج وأشكو.. والثالثة: أنا راضية بالهم.. وأخرى: أريد
أن أتزوج قبل أن أموت كمدا، على الأقل لأستخدم جهازي الذي ظلت أمي تكدسه لي منذ
مولدي
وتتوالي الضحكات والقفشات ولكنه كما يقول الشاعر: ضحك كالبكاء
*******
وإذا تطوعت الزميلة الكبيرة بالبحث عن عريس
لإحداهن توالت المفاجآت، فهي تسأل أسئلة تفصيلية عجيبة عن كل ما يخصه، ماديا
ومعنويا وعلميا وأدبيا وأسريا وخلافه، ترد الكبيرة: هل تريدين عريس تفصيل؟ هذا هو
المتاح لدينا.. ترد البنت وقد سرحت بخيالها واستدعت مخزونها الثقافي الكبير في
مواصفات العريس المنتظر: أنتِ لا تفهمينني، أريده رومانسيا يعيش معي قصة حب حقيقية
ويجعلني أحلق فوق السحاب.. ترد الكبيرة: إذن تريدين شاعر، ولا داعي للشقة والشبكة
والأثاث؟.. ترد البنت بسرعة: لا تتسرعي في فهمي، طبعا هذه أشياء أساسية جدا جدا
وكيف نعيش بدونها، بل إنني أتمنى أن تكون كلها على أعلى مستوى
ترد الكبيرة: عندي
شاب يعمل بالتجارة ولكن مؤهله متوسط.. تسارع البنت: لا لا لا.. أريده إن لم يكن
يفوقني في المؤهل العلمي والمنصب المرموق على الأقل يساويني
تمر الشهور، وتأتي
الكبيرة يوما متهللة سعيدة: وجدته وجدته.. وتقابله الفتاة لتبدأ في إجراءات الفيش
والتشبيه وتمطره بأسئلتها واستفساراتها
تجز الكبيرة على أسنانها غيظا، فهي بعد
عشرة عشرين سنة مع زوجها وبعد أن أصبح أولادها رجالا أطول منها، لم تخطر على بالها
تلك الجوانب في شخصية زوجها لتعرفها وتسأل عنها، وتنتهي المقابلة
بعد ذلك تعتذر
الفتاة لأن العريس غير مطابق للمواصفات
*******
ارتفاع سقف توقعات البنات عامل رئيسى في تأخير زواجهن،
فالفتاة التي تجاوزت الثلاثين من الصعب أن تقبل الزواج بسهولة بسبب نضج شخصيتها
وتراكم خبرات أليمة سمعتها وعايشتها وزيادة توقعاتها وكأنها تريد من العريس أن
يعوضها عما فاتها كله، وغالبا تتزوج في النهاية شخصا مثل غيره به عيوب كثيرة وقد
أضاعت من قبل فرصا أفضل منه
أما الفتاة صغيرة السن فهي تتزوج من يتقدم لها
ويوافق عليه أهلها وهي سعيدة وفرحة، وبعد الزواج تكتشف مميزاته وعيوبه على مهل
وتكون أقدر علي التكيف معها
مسألة العيوب والمميزات هذه غير إنسانية بالمرة ولا
تدل علي النصاحة والشطارة بل تدل على قلة الخبرة وسطحية التفكير، فالفتاة لا تشتري
ثوبا أو قطعة أثاث تقوم بفرزها أولا ولكنها ترتبط بإنسان إما أن ترتاح له أو لا،
وهو مثلها تماما به مميزات وعيوب، وكما تريد منه أن يقبلها كما هي عليها أن تفعل
ذلك
ما يحدث بعد الزواج هو نوع من التشذيب أو السنفرة للأجزاء الخشنة في شخصية
وطباع الزوجين ليتم التكامل والتناسب بينهما، وبعد فترة تجد الشاب المهمل صار حريصا
علي تعليق ثيابه وترتيب مكتبه وإلقاء المهملات في سلتها، والفتاة التي كانت لا تدخل
المطبخ أصبحت فنانة ماهرة وخبيرة طهي وهكذا
إذا كان الزوج رجلا عمليا امنحيه
بعضا من الرقة والخيال وإذا كان مترددا اشحنيه بالثقة والإقدام وهو أيضا سيمنحك
الكثير من التجدد والاختلاف الذي يثرى شخصيتك
*******
يقول علماء النفس أن الإنسان تتكون
شخصيته وطباعه مرتان.. الأولى على يد أمه والثانية علي يد زوجته، ويؤكدون أن الزواج
الناجح ولادة ثانية وحياة جديدة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاءكم من
ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير
وليس بعد قوله
صلى الله عليه وسلم قول
تزوجي وخوضي تجربتك ولا تترددي كثيرا وتوكلي على الله
*******