بسم الله الرحمن الرحيماسم السورة : الحجرات | رقم الآية : 11
ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم،
كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « الكبر بطر الحق وغمص الناس »
ويروى: « وغمط الناس » والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم،
وهذا حرام؛ فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدراً عند الله تعالى، وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له، ولهذا قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ} فنص على نهي الرجال، وعطف بنهي النساء. وقوله تبارك وتعالى: {وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ} أي لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون؛ كما قال تعالى: { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [الهمزة: 1]
والهمز بالفعل واللمز بالقول؛
كما قال عز وجل: { هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ} أي يحتقر الناس ويهمزهم طاغياً عليهم ويمشي بينهم بالنميمة وهي اللمز بالمقال،
ولهذا قال ههنا: {وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ} كما قال: { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [النساء: 29]
أي لا يقتل بعضكم بعضاً.
قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة ومقاتل بن حيان: {وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ} أي لا يطعن بعضكم على بعض،
وقوله تعالى: {وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ} أي لا تداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها.
قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك، قال: فينا نزلت في بني سلمة: {وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ} قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعا واحداً منهم باسم من تلك الأسماء، قالوا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا، فنزلت: {وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ} ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن داود به. وقوله جل وعلا: {بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإِيمَانِ} أي بئس الصفة والاسم الفسوق، وهو التنابز بالألقاب؛ كما كان أهل الجاهلية يتناعتون، بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه {وَمَن لَّمْ يَتُبْ} أي من هذا، {فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ}.
تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير