السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
المزح و اللعب شيء قد تميل إليه النفس
و قد يكون عند البعض سمة و صفة
و قد يؤدي إن تمادى فيه إلى مالا تحمد عقباه
و من الملاحظ اليوم في حياتنا أن هناك من انشغل بالأمور الجادة إلى أن اصبح من سماته التكشير و لا يعرف له تبسما
وهناك من جعل المزح و المرح طبعه فلا تقف على خير من أمره
وهناك من يرى في الضحك حتى لبضع دقائق امتهان و تضيع للوقت وان هذه السويعات أو اللحظات أوقفت تقدم المسيرة
علما بان كبشر نحتاج للترويح عن هذه النفوس
ولقد ضبط لنا الإسلام لعبنا و مرحنا ولم يجعل هذه الساعة، ساعة للمنكر أو الوقوع في المحظور تحت مسمى التسلية و المرح و المتأمل لواقع شبابنا و فتياتنا نجد انهم لم يفهموا هذه النقطة جيدا فتجد نفسك إن قدمت لبعضهم نصح قال أريد التسلية و الترويح عن نفسي
نسي أن هذه الترويح و هذه التسلية لابد من أن تكون تحت مظلة الدين لتكتمل للمرء السعادة و الراحة و رضى رب العالمين و الصحابة الكرام كان في حياتهم جانب من الضحك و المرح و لكنهم عند حدود الله تجدهم أشد الناس و عند الأمور المهمة تجدهم من أشجع الخلق فلم يغير الضحك و المرح حياتهم
ولم يمنعهم عن دورهم الحقيقي في هذه الحياة
ومن ضوابط المزح و المرح في حياة المسلم
أن يكون بعيد كل البعد عن المنكرات و المحرمات و الأذية للغير و السخرية من الدين و الناس و كذلك لا يعطل مصالح الغير و لا يكون بكثرة و في كل وقت بل المطلوب عند الحاجة إليه
لذلك نقف لحظات مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و مرحه مع أهله و أصحابه و نتعلم الدروس مه حياته و طريقته في هذا الجانب
ومن يعلم الكثير من دوره في هذا الجانب فليزودنا بذلك
مع الصغار
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم سليم ولها ابن من أبي طلحة يكنى: أبا عمير، وكان يمازحه فدخل عليه فرآه حزيناً فقال: ((مالي أرى أبا عمير حزيناً ؟ فقالوا: مات نغره الذي كان يلعب به، قال: فجعل يقول: أبا عمير ما فعل النغير))
كان رسول الله يصفّ عبد الله وعبيد الله وكثيراً بني العباس ثم يقول: ((من سبق إلي فله كذا. قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم))
وقد روي أنه وطّأ ظهره للحسن والحسين، في طفولتهما ليركبا، ويستمتعا دون تزمت ولا تحرج، وقد دخل عليه أحد الصحابة ورأى هذا المشهد فقال: نعم المركب ركبتما، فقال عليه الصلاة والسلام: "ونعم الفارسان هما"!
مع أهل بيته و نسائه
يروي الحاكم من حديث عمرة قالت سألت عائشة كيف كان رسول الله إذا خلا مع نسائه، قالت: كالرجل من رجالكم إلا أنه من رجالكم إلا أنه كان أكرم الناس وألين الناس ضحاكاً وبساماً.
في حديث عائشة قالت: ((والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، ورسول الله يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا الذي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو)) [
و عن عائشة رضي الله عنها قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحريرة قد طبختها له – أي أنها أتته بنوع من الطعام - ، فقالت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينهما : كلي ، فأبت ، فقلت : لتأكلين أو لألطخن وجهك ، فأبت ، فوضعت يدي في الحريرة ، فطليت وجهها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، فوضع بيده لها ، وقال لها : إلطخي وجهها - أي أنه وضع من تلك الحريرة في يده لسودة لتلطخ وجه عائشة رضي الله عنها - ، فلطخت وجهي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها .
أنه خرج من بعض أسفاره ومعه عائشة فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي: ((تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني.
حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا ثم قالي لي: تعالى أسابقك فسابقته، فسبقني فجعل يضحك ويقول: هذه بتلك)).
و من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ، وفي سَهْوَتِها سِتْرٌ ، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لي – لُعَبٍ – فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي ! ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس ! قال : وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جناحان ، قال : فرس له جناحان ؟! قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة ؟! قالت : فضحك ، حتى رأيت نواجذه .
و من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه قال : قالت عائشة : ما علمت حتى دخلت عليّ زينب بغير إذن ، وهي غضبى – أي أنها فوجئت بدخول زينب عليها رضي الله عنها – ، ثم قالت : يا رسول الله ! أحسبُكَ إذا قَلَبَت لك بُنَيَّةُ أبي بكر ذُرَيْعَتَيْها – تصغير الذراع والمقصود ساعِدَيها – ؟ ثم أقْبَلَتْ عليّ فأعْرَضْتُ عنها ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : دونك فانتصري ، فأقْبَلْتُ عليها ، حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فيها ، ما تَرُدُّ عليّ شيئاً ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه .
و من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعرف غَضَبكِ من رضاكِ ، قالت : قلت وكيف تعرف ذاك يا رسول الله ؟ قال : إنك إذا كنت راضية قلتِ بلى ورب محمد ، وإذا كنت ساخطة قلت : لا ورب إبراهيم ، قالت : أجل ، لا أهجر إلا اسمك .
مع أصحابه
والصحابة رضي الله عنهم كانوا أكثر الناس جداً وأقلهم غفلة، ومع ذلك كانوا يتمازحون.
روى البخاري في الأدب المفرد "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ [1] فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال
"وقيل لابن سيرين هل كانوا يتمازحون؟: قال: ما كانوا إلا كالناس".
عن أنس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله احملني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنا حاملوك على ولد ناقة، قال: وما أصنع بولد الناقة، فقال صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلاً دميماً فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال الرجل: أرسلني. من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله: إذاً والله تجدني كاسداً فقال: صلى الله عليه وسلم، لكن عند الله لست بكاسد أو قال: لكن عند الله أنت غالٍ))
ومن مزاحه عليه الصلاة والسلام أنه كان ينادي أحد الصحابة بـ ( ياذا الأذنين ) ورسول الله صلى الله عليه وسلم صادق في وصفه إياه بذلك .. فمن منا ليس له أذنان ؟!
وفيه أن خوات بن جبير الأنصاري كان جالساً إلى نسوة من بني كعب بطريق مكة فطلع عليه رسول الله فقال: ((يا أبا عبد الله مالك مع النسوة؟)) فقال: يفتلن ضفيراً لجمل لي شرود، فمضى رسول الله لحاجته ثم عاد فقال: ((يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟)) قال خوات: فاستحيت وسكت، فكنت بعد ذلك أتفرر منه حتى قدمت المدينة فرآني في المسجد يوماً أصلي فجلس إلي فطولت فقال: ((لا تطول فإني أنتظرك))، فلما سلمت، قال: ((يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟)) فسكت واستحيت فقام، وكنت بعد ذلك أتفرر منه حتى لحقني يوماً وهو على حمار وقد جعله رجليه في شق واحد.
فقال: ((يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟)) فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد منذ أسلمت فقال: ((الله أكبر، الله أكبر، اللهم اهد أبا عبد الله)). قال: فحسن إسلامه وهداه الله. [
و كان صهيب الرومي رضي الله عنه كثير المزاح ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلاطفه ويدخل السرور على نفسه ، وكان وقتها – أي صهيب - يأكل تمراً وبه رمد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له ) : أتأكل التمر وبك رمد ؟! فقال يا رسول الله : إنما أمضغ على الناحية الأخرى !! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
و من حديث عبد الله بن عمر قال : لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف قال : إنا قافلون غداً إن شاء الله ، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نبرح أو نفتحها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فاغدوا على القتال ، قال : فغدوا فقاتلوهم قتالاً شديداً وكثر فيهم الجراحات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قافلون غداً إن شاء الله ، قال : فسكتوا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال زيد بن أسلم: إن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن زوجي يدعوك، قال: "ومن هو؟ أهو الذي بعينه بياض؟" قالت: والله ما بعينه بياض! فقال: "بلى إن بعينه بياضًا" فقالت: لا والله، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أحد إلا بعينه بياض".
ومن المواقف العجيبة في حياته صلى الله عليه وسلم وهو يمازح أصحابه موقفه من العجوز الصالحة الصوامة القوامة ، فقد روى أن عجوزاً أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله : ادع الله أن يدخلني الجنة ، فقال : يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز ، فولت تبكي ، فقال : أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول { إنا أنشأناهن إن شاء فجعلناهن أبكارا عرباً أترابا )
مزح الصحابة
ومن هؤلاء المعروفين بروح المرح والفكاهة والميل إلى الضحك والمزاح: "نعيمان بن عمر الأنصاري" رضي الله عنه، الذي رويت عنه في ذلك نوادر عجيبة وغريبة، وقد ذكروا أنه كان ممن شهد العقبة الأخيرة، وشهد بدرًا وأحدًا والخندق، والمشاهد كلها.
وقد روى عنه الزبير بن بكار عددًا من النوادر الطريفة في كتابه " الفكاهة والمرح " قال: كان لا يدخل المدينة طُرفة إلا اشترى منها نعيمان، ثم جاء بها إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فيقول: هذا أهديته لك، فإذا جاء صاحبها يطالب نعيمان بثمنها، أحضره إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- قائلاً: أعط هذا ثمن متاعه، فيقول: " أولم تهده لي؟" فيقول: إنه والله لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله يا رسول الله! فيضحك، ويأمر لصاحبه بثمنه.
وله موقف ايضا أن أعرابياً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأناخ ناقته بفنائه ، فقال بعض الصحابة لنعيمان : لو عقرتها فأكلناها ، فإنا قد قرمنا من اللحم ، فخرج الأعرابي وصاح : واعقراه يا محمد ! فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : من فعل هذا ؟ قالوا : نعيمان ، فأتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، واستخفى تحت سرب لها فوقه جريد ، فأشار رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث هو ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : الذين دلوك لي يا رسول الله هم الذين أمروني بذلك ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك ثم غرمها للأعرابي .
و عن أم سلمة أن أبا بكر رضي الله عنه خرج تاجراً إلى بصرى ومعه نعيمان و سويبط بن حرملة رضي الله عنهما وكلاهما بدري ، وكان سويبط على الزاد ، فقال له نعيمان : أطعمني ، قال - يعني سويبط - : حتى يجيء أبو بكر .وكان نعيمان مِضحاكاً مَزّاحاً ، فذهب إلى ناس جلبوا ظَهراً ، فقال : ابتاعوا مني غلاماً عربياً فارهاً .
قالوا : نعم .
قال : إنه ذو لِسَان ، ولعله يقول أنا حُرّ ، فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوني ولاتفسدوه عليّ .
فقالوا : بل نبتاعه .
فابتاعوه منه بعشرة قلائص ، فأقبل بها يسوقها ، وقال : دونكم هو هذا .
فقال : سويبط : هو كاذب ، أنا رجل حرّ .
قالوا : قد أخبرنا خَبرك .
فطرحوا الحبل في رقبته وذهبوا به ، فجاء أبو بكر فأُخبر ، فذهب هو وأصحابه إليهم فردوا القلائص وأخذوه ، ثم أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فضحك هو وأصحابه منها حولاً
وهذا موقف لعمر بن الخطاب على ما عرف عنه من الصرامة والشدة- يروى عنه أنه مازح جارية له، فقال لها: خلقني خالق الكرام، وخلقك خالق اللئام! فلما رآها ابتأست من هذا القول، قال لها مبينًا: وهل خالق الكرام واللئام إلا الله عز وجل؟
لذلك كان أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسان في خير قرون الأمة يضحكون ويمزحون، اقتداء بنبيهم- صلى الله عليه وسلم- واهتداء بهديه،وقد اشتهر بعض الصحابة بالفكاهة في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم- وأقره عليه، واستمر على ذلك من بعده، وقبله الصحابة، ولم يجدوا فيه ما ينكر، برغم أن بعض الوقائع المروية في ذلك لو حدثت اليوم لأنكرها البعض أشد الإنكار.
أتمنى أنكم وجدتم المتعة مع هذه المواقف و أن نتعلم أن نعطي لكل موقف حقه
وبالله التوفيق