كلام فى الحب
بقلم محمد عبدالقدوس ٢/ ١٠/ ٢٠٠٩
لو طالبت حضرتك بصيام بعض أيام من شوال، فإنك قد تعترض ولا تكتفى بذلك، بل تسخر منى قائلاً: ما صدقنا صيام رمضان فكيف تطلب أن أستمر لأصوم جزءاً من الشهر الذى يليه.
والأمر أولاً وأخيراً يتوقف على مقدار حبك لربنا، والناس فى هذا الحب أنواع، وكان ذلك واضحاً تماماً فى شهر رمضان.. هناك من التزم بالغرض من الصوم الذى جاء ذكره فى القرآن الكريم: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، ورأينا نوعية أخرى من الناس تحب الله، ولكنها تعشق الدنيا، ورمضان إلى جانب أنه شهر الصوم، فهو أيضاً مناسبة اجتماعية جميلة يحلو فيها السهر والليالى الحلوة والبرامج والمسلسلات التليفزيونية التى تتسابق لجذب المشاهدين،
ونوع ثالث من البشر يرى رمضان ضيفاً ثقيلاً يقلب الأوضاع، يشكو ويتبرم، ولا يعمل، وأعصابه دائماً حادة، فإذا صام فهو مجرد الامتناع عن الطعام والشراب حتى المغرب ليعود بعدها إلى حياته الطبيعية!! ويدخل فى هذه النوعية أيضاً من يجهر بالإفطار علناً.. ويظل النوع الثالث من الناس والحمد لله قلة ضئيلة وسط غالبية ساحقة ترحب برمضان إذا جاء.
وأعود إلى موضوعى الأصلى الذى يتمثل فى صيام ستة من شوال، والمؤكد أنك تريد معرفة حكمته! وأقول لك فى البداية إن هذا الأمر سنة مؤكدة، وجاء فى الحديث الشريف: «من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنه صام الدهر». أو كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وأقول لك إن صيام تلك الأيام بمثابة ملحق لتكفير سيئاتنا من ناحية، ورفع الدرجات من جهة أخرى، وأى إنسان عاقل فى الدنيا إذا جاءته الفرصة لتحسين أحواله فلن يرفضها، فالحاصل على جيد جداً يتطلع إلى امتياز، وأتساءل: ولماذا الإصرار على الارتقاء فى الدنيا، بينما لا نجد ذات الجهد من أجل الآخرة؟
ولماذا لا نجمع بين الأمرين مع العلم بأن حياتنا فى هذه الأرض قصيرة، وانظر حولك لتتأكد من ذلك، فكثير من أقرب الناس إليك ذهبوا إلى الحياة الأخرى الخالدة، وماتوا، فلم تعد تراهم! وصدق من قال: أنتم السابقون ونحن اللاحقون! وأتعجب جداً وجداً كمان من هذا الذى يفكر فى دنياه فقط، ولا يتطلع إلى آخرته.. هؤلاء وصفهم القرآن الكريم بأنهم مثل الذى لا يسمع ولا يرى ولا يعقل! وهذا وصف فى محله تماماً، أضاع آخرته فى مقابل دنيا فيها من النكد الكثير!!
وإذا سألتنى: وكيف يكون صوم ستة أيام فقط من شوال، وكأنه صيام الدهر؟ يقول العلماء إن كلمة الدهر هنا تعنى صوم عام بأكمله، فصوم يوم يعادل فى هذا المقام صيام شهرين، فإذا صام ستة من شوال، فكأنه صام السنة كلها، وهى مكافأة يستحقها عن جدارة لعدة أسباب، فالأمر يحتاج إلى عزيمة قوية،
فالدنيا من حولك مفطرة وأنت يا بطل صائم مع أن هذا الأمر ليس فرضاً عليك، وإنما تفعله لأنك تحب ربنا، وعايز ترفع درجاتك عنده، وتتقرب إليه أكثر، وليس من الضرورى أن تصوم الأيام الستة متصلة، بل يمكنك توزيعها على الشهر كله حسب مزاجك.. المهم أن تبدأ وتنطلق لتفوز فى الدنيا والآخرة معاً.