1-
أنا كثير السفر والترحال، لا يمر شهر إلا وأجد نفسى قد سافرت ثلاث أو أربع مرات خلال هذا الشهر ومن مطار إلى مطار ومن بلد إلى بلد.. والسفر قطعة من العذاب، لكننى تعلمت من السفر شيئاً مهما.. ألا وهو: احمل شنطة خفيفة وإياك والأحمال الثقيلة لأنك ستعانى فى المطارات من ثقل الأحمال وستتعب وتتصبب عرقاً وستتذكر وتقول ليتنى خففت الحمل
ولذلك كثيراً ما أقوم بعد تجهيز شنطة السفر بحملها ثم أقول لنفسى مازالت ثقيلة فأفتحها وأقول لا داعى لهذه ولا داعى لهذا، ولنترك هذا حتى تعود خفيفة وأسافر وأنا غير مثقل بالأحمال
تذكرت هذه القصة اليوم وأنا أقرأ قول الله تعالى عن أحوال الناس يوم القيامة: وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون
ستأتى الأوزار والآثام مجسدة يوم القيامة يحملونها على ظهورهم فى سفر القيامة الطويل.. احملها وحدك لن يحملها عنك أحد
إن شئت خفف الحمل فى الدنيا وسافر خفيفاً، أو إن شئت فلتحمل أثقالاً وشنطاً ممتلئة طوباً وحجراً وزلطاً وشوكاً من الذنوب والآثام
كل رشوة حمل وثقل ستحمله يوم القيامة مجسداً ثقيلاً على ظهرك.. كل خيانة أمانة ستحملها يوم القيامة على ظهرك.. كل غش فى سلعة ستحمله.. كل إفساد لشاب أو فتاة من خلال كليب مثير للغرائز
سينطبق عليه قول الله: لِيحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يضِلُّونَهُمْ بِغَيرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يزِرُونَ
*******
2-
يقول أبو ذر الغفارى لقينى رسول الله فى الطريق فقال لى ياأبا ذر لو أردت سفراً أأعددت له عدة؟ فقلت نعم يا رسول الله، فقال ياأبا ذر فكيف بسفر طريق القيامة؟ فقلت فماذا أفعل يا رسول الله؟ فقال ياأبا
ذر خفف الحمل فإن السفر طويل
وأنا أقول لكم.. رمضان فرصة لتخفيف الحمل.. رمضان يبنى الإرادة.. رمضان يقول لك إياك والمال الحرام.. هل يعقل أن تصوم وتمتنع عن الأكل والشرب الحلال أصلاً لتفطر على الحرام والغش
والرشوة؟! هل يعقل أن توقف الحلال لتأخذ الحرام؟! كيف فهم عقلك حقيقة الصيام؟
خفف الحمل فرمضان فرصة
يقول النبى صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه
إنها فرصة أن تفرغ كل حمولة الشنطة المثقلة بحقوق الناس والآثام، لتبدأ بداية جديدة بشنطة خفيفة فترحل إلى الله بلا أثقال ولا أوزار
*******
3-
أن رمضان ليس فقط فرصة للتخلص من الأحمال الزائدة بل هو فى الأصل فرصة للتزود بكل ما يعين على السفر الطويل
ما زال كثير من المسلمين ينظرون إلى رمضان على أنه شهر خصص لإضاعة الوقت.. شهر التسالي.. يقول أحدهم أنا صائم فدعنى أقتل الوقت بالنوم أحياناً والمبالغة فى مشاهدة المسلسلات أحياناً أخرى
لأسلى صيامى وأقتل وقتي، ولا يدرى هذا المسكين أن قتل الوقت هو قتل للنفس، وهل حياتك إلا مجموعة دقائق وثوانٍ وساعات، وهل يعقل أن يتحول رمضان الشهر العظيم.. شهر القرآن إلى شهر
التسالى وإضاعة الوقت
*******
سؤال بسيط.. هل نحن ننتج فى رمضان؟؟
الغريب أن الوقت وقيمته مفهوم مرتبط بالإسلام بشكل قوي، وخذ عندك مثلاً أركان الإسلام، فالصلاة لها وقت.. إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا، وسئل النبى عليه الصلاة والسلام عن أحب
الأعمال وأفضلها فقال: الصلاة على وقتها، وفى الزكاة نحن نخرجها إذا مر عليها الحول.. وقت الزكاة، وفى صوم رمضان يقول الله تعالى عنه إنه: أياماً معدودات، كما يقول عز وجل: وكلوا واشربوا حتى
يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل، وحتى فى حج بيت الله الحرام: الحج أشهر معلومات
وحين ننظر للقرآن الكريم نجد أن الله عز وجل أقسم بالعديد من الأوقات، وسبحانه حين يقسم فإنه يقسم بكل غال، أقسم الله تعالى بالفجر: والفجر وليال عشر، وأقسم عز وجل بالضحى: والضحى والليل إذا
سجى، كما أقسم بالعصر: والعصر إن الإنسان لفى خسر، وأقسم بالليل: والليل إذا يغشي، فإذا كان الوقت بهذه الأهمية عند الله فلماذا لا يكون عندنا على نفس الدرجة من الأهمية؟
*******