السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى :{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }
وقال تعالى:{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه إنما أنا رحمة مهداه )- رواه ابن سعد في الطبقات، والحكم في النوادر عن أبي صالح مرسلاً، والحاكم عن أبي هريرة وقال على شرطهما وأقره الذهبي
وقال صلى الله عليه وسلم إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابًا) - رواه البخاري في التاريخ عن أبي هريرة
نماذج من رحمته صلى الله عليه وسلم
أولاً : رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ويدعو لهم رواه الشيخان وأبو داود
يبرك عليهم أي يدعو لهم ويمسح عليهم
يحنكهم التحنيك أن يمضغ التمر أو نحوه ثم يدلك به حنك الصغير
وعن أنس رضي الله عنه قال :ما رأيت أحدًا أرحم بالعيال من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث رواه الأربعة
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ولده إبراهيم فقبله وشمه - رواه البخاري
وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة لمن يموت وله ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، بفضل رحمته إياه - رواه البخاري
الحنث أي الإثم، والمعنى أنهم ماتوا قبل أن يبلغوا
وكانت تفيض عيناه لموتهم، وقد سأله مرة سعد بن عبادة يا رسول الله ما هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء )- رواه البخاري
وخرج على الصحابة رضي الله عنهم وأمامة بنت الربيع، ابنة زينب، على عاتقه، فصلى، فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها - رواه البخاري
وقبل الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من لا يرحم لا يرحم )رواه البخاري
وجاءه أعرابي فقال تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة )- رواه البخاري
ثانياً : رحمته صلى الله عليه وسلم بالإناث
شبه الرسول صلى الله عليه وسلم النساء بالقوارير، إشارة إلى ما فيهن من الصفاء والنعومة والرقة، وإلى ضعفهن وقلة تحملهن؛ ولذا فإنهن يحتجن إلى الرفق وله توجيهات كثيرة ومواقف عملية في هذا المجال، ومن أبرز الأمثلة على ذلك
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وكانت معه نساء منهن أم سليم، وغلام أسود يقال له أنجشة يحدو، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أنجشة رويدك، سوقًا بالقوارير )رواه البخاري
وقد عثرت ناقته ذات مرة، ومعه عليها زوجته صفية، فطرحا على الأرض، فلحق بهما أبو طلحة رضي الله عنه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (عليك بالمرأة )رواه البخاري
وروى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه )رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن، كن له سترًا من النار) رواه الشيخان
وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة إعالتك ابنتك الفقيرة التي رفضها زوجها، وليس لها غيرك )رواه البخاري وابن ماجة
وكان صلى الله عليه وسلم يحب بناته حبًا جمًا، فقد روي أن ابنته فاطمة كانت عندما تأتيه يقوم لها، ويأخذ بيدها ويقبلها ويجلسها في مكانه الذي كان يجلس فيه رواه أبو داود
وقال صلى الله عليه وسلم إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه )رواه الشيخان
ثالثاً : رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوانات
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان صلى الله عليه وسلم يصفي للهرة الإناء فتشرب )الحديث رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم والحاكم وصححه، والدار قطني وحسنه، لكن قال ابن حجر ضعيف، وقال ابن جماعة ضعيف لكن له طرق تقوية
وقال صلى الله عليه وسلم ما من مسلم غرس غرسًا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له به صدقة) رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرًا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له قالوا يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال في كل ذات كبد رطبة أجر) رواه البخاري
رابعاً : رحمته صلى الله عليه وسلم بالضعفاء عمومًا:
لقد حث صلى الله عليه وسلم على كفالة الأيتام لضعفهم وحاجتهم للرعاية، فقال أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى )رواه البخاري
وحث صلى الله عليه وسلم على إعالة الأرامل والمساكين، فقال الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل )رواه البخاري
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة )رواه أحمد بإسناد حسن
أحرج أي ألحق الحرج، وهو الإثم، بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك وأزجر عنه بشدة
وقال صلى الله عليه وسلم ابغوني الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم) رواه أبو داود، وأحمد وإسناده صحيح، وأخرج البخاري نحوه
ولقد شملت رحمته صلى الله عليه وسلم الخدم والأرقاء فقال صلى الله عليه وسلم من كانت له أمة فأدبها ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران) رواه الشيخان
وروى أبو ذر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) رواه مسلم
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه ثم جاء به، وقد ولى حره ودخانه، فليقعد معه فليأكل، فإن كان الطعام قليلاً فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين (أي لقمة أو لقمتين)) رواه مسلم
وروى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (من أساء معاملة من هم تحت يديه فلن يدخل الجنة )رواه الترمذي وابن ماجة
وقال صلى الله عليه وسلم من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه) رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي مسعود، عندما رآه يضرب مملوكًا له اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام)، فانتهى عن ضربه وأعتقه حتى لا يمسه الله بعذاب نتيجة هذا الفعل رواه مسلم
وأمر صلى الله عليه وسلم بأن يعامل المماليك مثل معاملة الأبناء، وكان صلى الله عليه وسلم يوصي – وهو في فراش الموت- بحسن معاملة الأرقاء
خامساً : رحمته صلى الله عليه وسلم بالأعداء في الحرب والسلم
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر مع المسلمين في الحديبية، فنزل سبعون أو ثمانون رجلاً من التنعيم يريدون الفتك بالمسلمين، فأخذوا، فأعتقهم رسول الله دون عوض عقاب من رواية البخاري
وقد قبل الفداء من أسرى بدر، وعفا عن قريش وأهل مكة يوم فتح مكة، وأطلق سراح أسرى حنين
وعفا عن غورث بن الحارث على الرغم من محاولته قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ، فجاء غورث إلى قومه بعد هذا فقال لهم جئتكم من عند خير الناس من رواية البخاري
عن جابر رضي الله عنه مر بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا، فقلنا إنها جنازة يهودي
فقال صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الجنازة فقوموا )- رواه الشيخان، وزاد مسلم إن الموت فزع
وفي الصحيحين عن سهل بن حنيف فقال صلى الله عليه وسلم أليست نفسًا؟ )
ونهى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان والأجير، ما داموا غير مشاركين في قتال المسلمين
و كان صلى الله عليه وسلم إذا بعث بعثًا أو جيشًا أوصاهم قائلاً لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا رواه مسلم
وكان صلى الله عليه وسلم له خادم يهودي، فكان إذا مرض عاده، فعاده مرة فعرض عليه الإسلام وأبوه حاضر، فقال له أطع أبا القاسم، فأسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أنقذه من النار) رواه البخاري
سادساً : رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته
قال تعالى : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم :{ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
وقول عيسى عليه السلام :{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فرفع يديه وقال اللهم أمتي، وبكى
فقال الله عز وجل يا جبريل، اذهب إلى محمد وربك أعلم، فسله ما يبكيك؟
فأتاه جبريل عليه السلام، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قاله وهو أعلم
فقال الله يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك) رواه مسلم في كتابه الإيمان
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا )رواه الشيخان والترمذي وأحمد
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى، أترونها للمؤمنين المتقين؟ لا، ولكنها للمذنبين المتلوثين الخاطئين )رواه ابن ماجة ورواه أحمد عن ابن عمر ورواه عنه أيضًا الطبراني، قال الهيثمي رجاله الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أعطيت سبعين ألفًا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل، فزادني مع كل واحد سبعين ألفًا )رواه أحمد وأبو يعلى
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء )رواه مالك والجماعة لابن ماجة لكنه رواه عن حديث عثمان بن أبي العاص، مع اختلاف في الألفاظ