بسم الله الرحمن الرحيم
خلق الله الانسان فى الارض وجعل له وظيفة...هذه الوظيفة هى
عبادة الله
والعبادة تتضمن توحيد الله وحده لا شريك له
وتتضمن الطاعة العمياء لأوامر الله والرسول
فيما نفعل وما لا نفعل
سمعا وطاعة لله وللرسول
ومن فعل ذلك فقد اتم العبادة
أمن الله جل جلاله على البشرية بنعم كثيرة وافرة ، نعمٌ لا تعد ولا تحصى ، فإذا قلبت نظرك يمنة ويسرة وجدت أنك تتقلب في نعم الله سبحانه ، إذا نظرت إلى رزقك وإلى مطعمك ومشربك وجدته من عند الله تعالى ، من أنزل المطر من السماء ، ومن أنبت الزرع ، وجعل الألبان في الضرع ، من خلق الحيوان لكي يأكل منه الإنسان ، ( هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ) ، فإذا كان سبحانه الأمر أمر والخلق خلقه والرزق رزقه فهو سبحانه جل جلاله المستحق وحده للعبودية ، ألم تسمعوا إلى قول ربكم جل في علاه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، مآ أريد منهم من رزق ومآ أريد أن يطعمون ، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) .
جاء في أضواء البيان للعلامة الشنقيطي رحمه الله (ويفهم من الآية الكريمة أنه لا يصح أن يعبد إلا من يرزق الخلق لأن أكلهم رزقه وعبادتهم غيره كفر ظاهر لكل عاقل ) .
نعم فالغاية من خلق الجن والإنس هي عبادة الله سبحانه وتعالى ، قال علي رضي الله عنه أي ما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بالعبادة ، وقال الإمام الشافعي رحمه الله (خلق الله تعالى الخلق لعبادته )
عبادة الله سبحانه وتعالى هي المهمة التي من اجلها الرسل ، قال تعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) وقال ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) وقد أخبر عن جميع المرسلين أن كلاً منهم يقول لقومه ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) .
العبادة تضمن توحيد الله أولاً ، جاء في صحيح البخاري في تفسير قول الله سبحانه وتعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) : ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين إلا ليوحدون ، وتوحيد الله هو إفراده بالعبادة دون سواه ، وقد خاطب ربنا سبحانه رسوله موسى عليه السلام فقال ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فأعبدني )، قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية (هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له وقوله [ فاعبدني ] أي وحدني وقم بعبادتي من غير شريك ) .
والعبادة أيضاً تضمن معنى الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله (والعبادة هي الطاعة وذلك أنه من أطاع الله فيما أمره به وفيما نهاه عنه فقد أتم عبادة الله ومن أطاع الشيطان في دينه وعمله فقد عبد الشيطان ألم تر أن الله قال للذين فرطوا ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان
وإنما كانت عبادتهم الشيطان أنهم أطاعوه في دينهم فمنهم من أمرهم فاتخذوا أوثانا أو شمسا أو قمرا أو بشرا أو ملكا يسجدون له من دون الله ) .
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله (وعباداته تكون بطاعته وطاعة رسوله وذلك هو الخير والبر والتقوى والحسنات والقربات والباقيات والصالحات والعمل الصالح وان كانت هذه الأسماء بينها فروق لطيفة ) .
وقال رحمه الله في موضع آخر في قول الله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) : فكل ما كان لأجل الغاية التي خلق لها الخلق كان محمودا عند الله وهو الذي يبقى لصاحبه ) .
وقال رحمه الله في موضع ثالث ( وعبادة الله تتضمن معرفته ومحبته والخضوع له بل تتضمن كل ما يحبه ويرضاه وأصل ذلك وأجله ما في القلوب الإيمان والمعرفة والمحبة لله والخشية له والإنابة إليه والتوكل عليه والرضي بحكمه مما تضمنه الصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن ) .
ومن شروط العبادة أن تكون خالصة لله يُبتغى بها وجه الله ، وأن يتابع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول الشيخ السعدي رحمه الله (وإنما تكون العبادة عبادة إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله فبهذين الأمرين تكون عبادة ) .
إن الطاعة والصون من المعصية نعمة من الله يمن بها على أهل طاعته ،وفي ذلك كرامة وتكريم ظاهر لأهل الطاعة جاء في فيض القدير ( قال القاضي ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل فرائضه ومحبة الله تعالى للعبد إرادة إكرامه واستعماله في الطاعة وصونه عن المعصية ) .
فأعظم العبادة فعل ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وترك ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم يأتي بعد ذلك فعل المستحبات والمندوبات وترك المكروهات .
إن العبادة معناها شامل واسع فهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، فإذا نظرنا إلى عبادة مثل عبادة دعاء تجد فيها تنوعاً من محبوبات الله ففيها ذكر لله وفيها اظهر الذل والافتقار إلى الله تعالى وفيها اعتراف من السائل بقدرة الله جل جلاله على الإجابة وعلى كشف الضر ، وإلى هذه المعاني ألمح الإمام ابن رجب رحمه الله بقوله (واعلم أن سؤال الله عز وجل دون خلقه هو المتعين لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار وفيه الاعتراف بقدرة المسئول على رفع هذا الضر ونيل المطلوب وجلب المنافع ودرء المضار ولا يصلح الذل والافتقار إلا الله وحده لأنه حقيقة العبادة وكان الإمام أحمد يدعو ويقول اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسئلة لغيرك ولا يقدر على كشف الضر وجلب النفع سواك ) .
ثم إن من أعظم أنواع العبادة لله ما يكون نفعها عائدا لمصالح عباده ، وهذا باب واسع أيضاً من أبواب العبادة فالزكاة والصدقة والبر والإحسان والصدق والكرم وحسن الخلق كلها داخلة في هذا الباب العظيم .
موضوع: شرح المقصود من قوله تعالى( ماخلقت الجن والانس الا ليعبدون) 
الخميس ديسمبر 04, 2008 2:15 pm
